كيف دمّر الحوثيون قطاع الصحة ونهبوا إيراداته وتورطوا بقتل أطفال "اللوكيميا" (تقرير)

تواصل مليشيا الحوثي الإرهابية تدمير القطاع الصحي مثل بقية القطاعات، مع استمرار إغراقه بتعيينات جلها عنصرية ومناطقية، مرادها بسط النفوذ والتمدد، وإسدال الستار على صفقات مشبوهة، شعارها "الإنسانية المزيفة" وضريبتها أرواح آلاف الأبرياء، فإن اشتد حول عنقها "حبل" جرائم صنائعها، ناحت وبأعلى صوتها (الحصار والعدان)، في مساعٍ منها لتبرر بطشها وإجرامها.

تقول مصادر طبية، إن مليشيا الحوثي استغلت الحرب في البلاد، لتنفّذ أهدافها تحت غطاء ما تسميه بـ"العدوان"، حيث عكفت على إقصاء جميع المناوئين لها من مختلف المناصب في المؤسسات والهيئات والمراكز الصحية والطبية، واستبدالهم بآخرين من ذات السلالة، قبل أن تعزز ذلك بعدة خطوات أشد فتكاً من سابقتها، حينما أوقفت صرف مرتبات جميع موظفي القطاع الصحي، في مقدمتها الجهات الإيرادية التي رفعت فيها رسوم المقابلات الطبية والعمليات الجراحية وغيرها، من مبالغ رمزية كانت حبيسة خانات العشرات والمئات والآلاف مقارنة بما قبل العام 2011م، إلى خانات عشرات ومئات الألوف والملايين، حتى باتت منافسة بامتياز للقطاع الخاص.

الإدارة العبثية لمثل هكذا قطاع أفرزت مخرجات مرعبة بالنسبة لملايين اليمنيين. فحق أن تظهر عشرات المشافي والمراكز الصحية والعيادات دونما المعايير، وعودة ظهور أوبئة كانت قد اختفت منذ عقود، لتسجّل على إثرها مئات حالات الوفاة، بينما تقابل وزارة الصحة الحوثية كل ذلك بإنكار، وإن خرجت الأمور عن طور سيطرتها أرجعت أسبابها -كالعادة- لـ"العدوان والحصار ومنع دخول الأدوية المطلوبة في وقتها".

وبحسب المصادر، تتجلى اللا مسؤولية لدى هذه العصابة، بالمقارنة مع ظهور جائحة كورونا (كوفيد-19)، التي واجهت ظهورها بالإنكار كالعادة، فكانت أن أرادت تصفية قيادي ما اعترفت بوجوده ونفذت جريمتها باسمه، وإن أنهت مهمتها أنكرته جملة وتفصيلاً، وما مئات الأبرياء ممن راحوا ضحايا الفيروس إلا ضحايا "ضعف الإيمان" من وجهة نظرها.

وبين الإنكار والاعتراف، يأتي السخف والاستخفاف في أكمل صوره، فيقول وزير الصحة لدى الحوثيين طه المتوكل، في مؤتمر صحفي رسمي: "إن فرقاً طبية تعمل على لقاح ضد الفيروس ستقدمه الوزارة خلال أشهر قليلة للعالم"، في تعليق كانت السخرية محل ترحاب به على الصعيدين المحلي والخارجي. مضت الأشهر والسنوات، وولى الوباء، بينما مخاض اختراع "الصحة الحوثية" ظل عسيراً.

التصريحات اللا مسؤولة، هواية القادة والمسؤولين لدى المليشيا، وعدّها لا يحصى وإن كان قبل آخرها رواية (عيش زعيمها على كسرة خبز وعلبة الزبادي، وعجز رئيس مجلسها السياسي مهدي المشاط عن دفع إيجار مسكنه، وبعده إعراب مدير مكتبه أحمد حامد عن قلقه وهو يصوّر للشعب كيف سيغدو حاله بعد مغادرة المنصب، فهو ربما قد لا يستطيع الحصول على دراجة نارية لقضاء تحركاته..).

تورط حوثي

وعلى ذات منوال الاستخفاف والتعامل اللا مسؤول، قابلت وزارة الصحة الحوثية جريمة وفاة 18 طفلاً من مرضى سرطان الدم (اللوكيميا) في 5 أكتوبر الجاري، كانوا من بين 45 طفلا آخرين تم حقنهم خلال الفترة 24 و25 سبتمبر/ أيلول الفائت، في مستشفى الكويت بصنعاء، بدواء مهرّب، تبيّن لاحقاً تلوثه. بينما ما يزال بقيتهم يرقدون في العناية المشددة.

التزمت الوزارة الصمت لأكثر من أسبوع، ولولا أن الإعلام المحلي والخارجي حشرها في زاوية ضيقة، لواصلت صمتها. وقالت في بيانها المؤرخ في 13 أكتوبر الجاري، (إنها تلقت بلاغا من وحدة أورام الدم بمستشفى الكويت الحكومي بوفاة 10 أطفال "فقط" من المصابين بسرطان الدم "اللوكيميا"، من إجمالي 19 طفلا يعانون من مضاعفات ذات المرض، وأنها قامت على الفور بتقديم الرعاية الطبية اللازمة والشاملة).

البيان الحوثي، أضاف: (وتم تشكيل فريق للتحقيق والاستجابة من الجهات المعنية وفي مقدمتهم رئيس وأعضاء المجلس الطبي، ومختصون من وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية، والمركز الوطني لعلاج الأورام، واستشاريون ذوو اختصاص في مجال الأورام وطب الأطفال، وقد بيّن تقرير اللجنة ان 19 من الأطفال المصابين بسرطان الدم تتراوح اعمارهم بين 3 سنوات و15 سنة، تعرضوا لمضاعفات اثر تلقيهم دواء تم تهريبه إلى صيدلية خاصة، ولم تمر التشغيلة المهربة من الأدوية عبر الهيئة العليا للادوية أو مناقصات المركز الوطني للأورام..).

مصدر طبي في وزارة الصحة بصنعاء، اتهم الوزارة بالتورط في الجريمة، لصمتها الطويل، من جانب، وتعمدها إسقاط أرقام وتواريخ هامة من بيانها لغرض تضليل الرأي العام، وتمييع القضية وتغييب الحقيقة.

وأشار إلى أن البيان لم يذكر تاريخ تلقيه البلاغ من مشفى الكويت، وتاريخ تسجيل الوفيات. وأن عدد الأطفال المتوفين 10 أطفال "فقط" وليس 18 طفلاً، وأن عدد المتلقين للجرعة 19 "فقط" بدلاً عن 45 طفلاً. ولم يحدد أيضاً اسم "الصيدلية" التي وصلت إليها التشغيلة المهربة. واكتفى بقوله: "صيدلية خاصة". ولم يذكر اتخاذ أي إجراءات بحقها وغيرها ممن تداولت التشغيلة، وأيضا تاريخ تشكيله فريق التحقيق، وتاريخ تقديم الفريق للتقرير...  وغيره.

وأكد لوكالة خبر، أن هذه المغالطات إدانة كافية لتورط الوزارة ضمن آخرين في جريمة وفاة الأطفال، ودخول الدواء المهرّب، لا سيما ورئيس المجلس الطبي الدكتور مجاهد معصار -أحد أعضاء فريق التحقيق- من الغارقين في الفساد المالي وازدواج المناصب، فهو يشغل أيضا رئيس ما تسمى بـ"جامعة 21 سبتمبر".

وما يزيد من إدانة وتورط المليشيا بالجهة المهربة، خطاب وجهته الهيئة العليا للأودية بصنعاء (أحد أعضاء فريق التحقيق المكلّف من الوزير)، الثلاثاء 4 أكتوبر الجاري، إلى رؤساء الهيئات ومديري مكاتب الصحة والأطباء، ثبوت تلوث عدة تشغيلات من الصنف methotraxate 5ml/2ml التابع لشركة Celon ، دون أن تحرك الوزارة ساكنا.

وتوكد مصادر عدة، أن وزارة الصحة على علم تام بوجود عشرات الأصناف الدوائية المهربة والمزورة في السوق المحلية، ولم تتخذ أي إجراءات.

تعيينات عنصرية

وبينما ترفض المليشيا صرف رواتب موظفي هذا القطاع لأكثر من خمس سنوات، وتنفيذها حملات اعتقالات ضد منفذي الوقفات الاحتجاجية المطالبين بحقوقهم، احتكرت على نفسها وأبناء السلالة قرارات التعيين وصرف المكافآت.

وكنموذج على ذلك، عيّن الوزير المتوكل، "خال زوجته" عبدالكريم الخطيب عميداً للمعهد العالي للعلوم الصحية بصنعاء، و(خالة زوجته) ماجدة الخطيب مديراً عاما لمستشفى السبعين للأمومة. كما عين أحد اقاربه يحمل مؤهل "دبلوم فني تمريض" مديراً لمكتب صحة تعز.

وعيّن أيضاً عناصر من أبناء ذات السلالة في مختلف القطاعات والإدارات بالوزارة، فأصبحت تدار بعقلية عصابة، بينما التهميش حليف الإدارات التي لم تطلها قرارات الاجتثاث المدمر لهذا القطاع.

وذكر الصيلاني فهمي القدسي، أن الوزير المتوكل سمح لمدير مكتبه أن يدرس ماجستير إدارة صحية، وهو خريج نظم معلومات، وهذا مخالف للوائح المجلس الطبي للاختصاصات، مشيرا إلى أن الوزير استحوذ على عدة مناصب أخرى بجانب منصب الوزير، بينها رئيس المجلس العام للمعاهد العليا للعلوم الصحية.

أمّا قرارات الإطاحة التي استهدفت مباشرة كل من له فكر أو منهج مغاير للمليشيا، فقد كان أحد نماذجها مدير مستشفى الثلايا في محافظة ريمة الدكتور محسن العزيزي، الذي أطاح به "المتوكل" لأنه يصلي "ضاما" لا "مسربلاً". وهو القرار الذي أبكى أبناء المحافظة بمن فيهم المحافظ، لما التمسوا في "العزيزي" من إخلاص في الواجب، بحسب قولهم.

نهب المرضى والموظفين

وخصخصت المليشيا خدمات القطاع الصحي، بفرضها رسوماً لحالات الرقود والعمليات الجراحية، خصوصا التي يعجز المواطن عن دفع تكاليفها في المشافي الخاصة، حتى باتت تتشابه إلى حد كبير مع أسعار الأخيرة.

وقالت مصادر محلية، إن رسوم عمليات القلب المفتوح التي كانت قد رفعتها المليشيا في أولى سنوات الحرب إلى قرابة مليون ريال في مستشفى الثورة بصنعاء، رفعت مجددا إلى نحو مليوني ريال ونصف المليون (أي ما يزيد عن 4200 دولار أمريكي، سعر الدولار الواحد يقارب 600 ريال)، وهي العمليات التي كانت أسعارها لا تجاوز مائتي دولار قبل العام 2011م، ورسوم المعاينة لا تتجاوز دولارا واحدا (سعر الدولار حينها يتراوح بين 200 و210 ريالات). كما رفعت رسوم الرقود في قسم الأمراض النفسية من 30 ألف ريال إلى 100 ألف ريال، ورفع رسوم الرقود في أغلب الأقسام الأخرى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه.

ومع أن الرسوم الحكومية باتت خيالية، إلا أن الفارق وإن كان ضئيلاً، يعد هاما بالنسبة للمواطن المنهار اقتصادياً، مما يجبره على تكبد المعاناة في المشافي الحكومية التي كانت ذات يوم تقدم خدماتها مجاناً.
وتفيد مصادرنا، أن قيادات الصف الأول الحوثية تنهب سنوياً من إيرادات هيئات مشافي الثورة في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها، عشرات مليارات الريالات.

وبالنسبة لملايين اليمنيين المتواجدين في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، لم يعد رفع المعاناة عنهم رهن قرار فتح الرحلات أمام مطار صنعاء، أو دخول السفن المحملة بالوقود والغذاء، وإن كانت بالمئات، كما تسوّق له المليشيا المدعومة إيرانياً، بقدر ما بات استئصال السرطان الكهنوتي ذات الفساد والبطش الأفظع، ضرورة حتمية.