صحيفة هارتس: اليمن لا يعاني بل يموت

لم تتمكن الدول العربية من حل الصراعات، واضحى اليمن بحاجة إلى تدخل الدول الغربية أو روسيا.

تحول اليمن على مدى السنوات الثلاث الماضية إلى كومة من الركام، ووصفته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرا بأنه بات يمثل "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

الإحصاءات التي خلفتها الحرب في اليمن مروعة، حيث قتل أكثر من 10 آلاف شخص وجرح عشرات الآلاف، واصبح 7 ملايين شخص بلا مأوى، وأصيب نصف مليون شخص بوباء الكوليرا، توفي منهم ألفا شخص. ولم تصل إلى البلاد سوى أقل من نصف المساعدات الإنسانية المطلوبة لإبقاء الناس على قيد الحياة، ويبدو أنه لا أحد يهتم بإنهاء الحرب.

وبعيدا عن الخسائر البشرية الفظيعة، لا يوجد في اليمن حكومة أو قيادة قادرة على تحمل مسؤولية الدولة أو البدء في أي مفاوضات لإنهاء الحرب. فيما تنأى الولايات المتحدة بنفسها عن اليمن، تاركة المملكة العربية السعودية في مواجهة فشلها الكبير في التعامل مع ساحة المعركة. فيما تكتفي روسيا والدول الأوروبية بإطلاق التصريحات الحنونة ومنح الأموال التي لا يعلم أحد إلى أين تذهب.

وبعد عام من استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء شنت السعودية، بقيادة محمد بن سلمان، حملة عسكرية ضد الحوثيين، سعيا منها لمواجهة ما تدعيه "النفوذ الإيراني".

بالنسبة للسعودية لم تكن هذه معركة لحماية حدودها من امتداد الحرب في اليمن إلى أراضيها، بل حربها في اليمن كانت للحفاظ على هيبتها، وإبراز قدراتها العسكرية وقدرتها على الوقوف في وجه إيران.

ولكن بعد عامين ونصف العام من الحرب، يبدو أن الأسلحة المتطورة لا تضمن النصر العسكري. لقد أصبحت الحرب مهزلة تظهر السعودية كدولة عسكرية محدودة، على الرغم من التحالف السني الذي تمكنت من حشده لمساعدتها في الحرب في اليمن.

وتظهر الحرب في اليمن بوضوح مدى محدودية قدرة الدول العربية على حل الصراعات بوسائل دبلوماسية أو عسكرية، وتسلط الضوء على حاجة اليمن إلى تدخل الدول الغربية أو روسيا.

ولكن بالمقارنة مع سوريا، حيث تتقاطع مصالح روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا والأردن وحتى إسرائيل، فإن اليمن لا يمثل نفس الاهمية. والولايات المتحدة مهتمة فقط بقصف قواعد تنظيم القاعدة، وروسيا ليست حاضرة، بل إن إيران لا تشارك إلا عن بعد.

ومن الواضح أن اليمن يمثل ساحة أكثر أهمية من سوريا، خاصة بسبب موقعها الجغرافي وسيطرتها على مدخل البحر الأحمر. لكن السيطرة على سوريا تمنح سيطرة مباشرة أو غير مباشرة على الشرق الأوسط بأكمله.

ومع ذلك، تمكنت سوريا من الحفاظ على صورة الدولة المغرية من الناحية الاستراتيجية، في حين اعتبر اليمن بلدا هامشيا، في حاجة فقط إلى أسطول صغير للحفاظ على مياه البحر الأحمر مفتوحة. هذا هو السبب الذي يجعل من اليمن بلدا يستحق إعادة التأهيل والمساعدة. وفي المقابل، فإن المساعدات الإنسانية لمواطني سوريا هي جزء لا يتجزأ من المناقشات السياسية، في حين ينظر إلى اليمن بشكل معاكس. هذه هي مأساة مواطنيه البالغ عددهم 27 مليون نسمة، والذين ليس لديهم أي نفوذ دبلوماسي تقريبا مع المجتمع الدولي.

وقد بذلت عدة محاولات للتوصل إلى حل توفيقي أو على الأقل وقف إطلاق النار، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل، ذلك لأن المملكة العربية السعودية لم تتخل عن إمكانية "الفوز" والقدرة على تحديد مستقبل اليمن. ولكن حتى من هذا المنظور، سيتعين على اليمن الانتظار في الطابور.

وبعد أن فقدت السعودية لبنان لصالح حزب الله وإيران، كان عليها أن توافق على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه، وحتى هذا العام، قاطعت العراق بسبب رعايته الإيرانية، واليمن هو جائزة ترضية غير مؤكدة. وإلى أن يتم منحها، سيظل شعبها يخشى من كل قنبلة أسقطتها عليها قوات التحالف السعودي.

صحيفة "هارتس" الاسرائيلية