تقرير تشخيصي لمجموعة الازمات الدولية عن المرحلة الانتقالية

صدر عن مجموعة الازمات الدولية في يوليو من العام الجاري 2012 تقريرا جديدا عن مجريات الصراع باليمن في ظل مسار التسوية السياسية القائمة منذ نوفمبر 2011 وفقا لخارطة الطريق الخليجية لانتقال السلطة . وفيما يلي نص الملخص التنفيذي والتوصيات الصادرة عن المجموعة بصرف النظر عن الفوضى التي تميزت بها العملية الانتقالية في اليمن، وبصرف النظر عن أنها لم تنته بعد، فإن هذه العملية حققت هدفين محوريين: تجنب حرب أهلية كان يمكن أن تكون مدمرة وإجبار الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي حكم بلداً فقيراً لأكثر من ثلاثة عقود، على الاستقالة. كما أنها زعزعت أساسات النظام، وفي نفس الوقت وفرّت إمكانية تخيّل قواعد جديدة للعبة. رغم ذلك، فإن هناك الكثير مما لا يزال موضع شك، خصوصاً نطاق التغيير والاتجاه الذي يتخذه. لقد شهدت البلاد بشكل أساسي لعبة كراسي موسيقي سياسية، حيث تبادل أحد فصائل النخبة الأمكنة مع فصيل آخر لكنهما بقيا في حالة مواجهة. ثمة مكونات هامة من المجتمع اليمني – الحوثيون في الشمال والحراك الجنوبي، وبعض الحركات الشبابية المستقلة – تشعر بالإقصاء وتنظر إلى اتفاق المرحلة الانتقالية بالكثير من التشكك، إن لم يكن الازدراء. القاعدة وغيرها من المجموعات المسلحة المتشددة تستغل الفراغ الأمني. وما تزال احتياجات اجتماعية واقتصادية هامة دون تلبية. على الحكومة الجديدة أن تُظهر وبسرعة تحقيق تقدم ملموس (في المجالات الأمنية، والاقتصادية، والسياسية) لاحتواء قوة الطرد التي تدفع اليمن إلى التشرذم والانقسام، وفي نفس الوقت التواصل مع جميع الأطراف وتحضير المناخ السياسي لحوار وطني شامل. في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وبعد أحد عشر شهراً من الاحتجاجات الشعبية، وقع صالح مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومجموعة من آليات التنفيذ المرفقة بها. إذا نظرنا إلى المكونات الجوهرية للمبادرة الخليجية نجد أنها تتكون من منح الرئيس السابق حصانة داخلية من الملاحقة القضائية مقابل تنحّيه عن الحكم. أما الوثيقة التنفيذية التي تم التوصل إليها بدعم من الأمم المتحدة فقد أضافت تفاصيل هامة حول آليات خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية وإطارها الزمني. نصت الاتفاقية على عملية تتكون من مرحلتين. في المرحلة الأولى، فوّض صالح صلاحياته لنائبه، عبد ربه منصور هادي. ثم شكل السياسيون المتنازعون حكومة إجماع وطني تقودها المعارضة وتُقسم حقائبها الوزارية بالتساوي بين الحزب الحاكم السابق، المؤتمر الشعبي العام، وكتلة المعارضة المكونة من أحزاب اللقاء المشترك. شكّل الرئيس لجنة عسكرية كُلفت بتخفيف حدة التوترات والانقسامات داخل القوات المسلحة، التي كانت قد انقسمت إلى فصائل مؤيدة وفصائل معارضة لصالح خلال الانتفاضة. المرحلة الأولى انتهت مع الانتخابات الرئاسية المبكرة، في 21 شباط/فبراير 2012، التي كان فيها هادي مرشح الإجماع الوحيد وبدون منافس. في المرحلة الثانية، أُعطي هادي والحكومة سنتين من أجل إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، ومعالجة قضايا العدالة الانتقالية وإطلاق مؤتمر حوار وطني شامل بهدف مراجعة الدستور قبل الانتخابات الجديدة في شباط/فبراير 2014، إضافة إلى أشياء أخرى. إنه برنامجٌ مثيرٌ للإعجاب، إلا أنه مفرط في الطموح. وقد تبين حتى الآن أن النتائج متباينة، حيث أن هناك قصوراً كبيراً في التنفيذ. بالفعل، ورغم حدوث تغييرات كثيرة، إلا أن أموراً عديدة ما تزال كما هي. إذا بدأنا بالأكثر أهمية نرى بأن الاتفاق فشل في تسوية الصراع الذي اتخذ طابعاً شخصياً بين صالح وعائلته من جهة، والفريق علي محسن الأحمر وعائلة الأحمر القوية من جهة أخرى. مع سعي المعسكرين لحماية مصالحهما وتقويض خصومهما، فإن خطوط المواجهة بينهما تغيرت لكن الطبيعة الجوهرية لهذا الصراع أو هوية اللاعبين الرئيسيين فيه لم تتغير. وعلى نحو مماثل، فإن الاقتصاد السياسي المبني على الفساد ظل قائماً دون تغيير على الإطلاق. تحتفظ نفس العائلات بالسيطرة على معظم موارد البلاد وتستمر في الاعتماد على شبكات المحسوبية والرعاية وتسيطر على عملية صنع القرار في الحكومة، والجيش والأحزاب السياسية. بالنسبة للنشطاء المستقلين المصابين بالإحباط، فإن الصراع على القمة لا يعدو كونه مناوشات سياسية بين معسكرين سيطرا على البلاد منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، وإعادة خلط الأوراق السياسية بشكل ألحق الضرر بحزب المؤتمر الشعبي العام وساعد أحزاب اللقاء المشترك. ينطوي هذا على مضامين خطيرة على مستوى السياسات. بينما يتنازع السياسيون في صنعاء، فإن ثمة مشاكل وطنية مُلحّة تبقى دون حل. لقد ساءت الظروف الإنسانية بشكل هائل منذ الانتفاضة، حيث ارتفعت مستويات الجوع وسوء التغذية بمعدلات مرعبة. وقد أفضت سنة من الاضطرابات السياسية إلى حالات نقص حاد في السلع الأساسية؛ ورفعت بشكل خطير معدلات الفقر والبطالة المرتفعة أصلاً؛ وأدت فعلياً إلى شل النشاط الاقتصادي. ما يزال الجيش منقسماً، حيث لا يخضع القادة المتصارعون خضوعاً كافياً لسلطة الرئيس. وما تزال الفصائل المسلحة والمجموعات القبلية الموالية لصالح، وعلي محسن الأحمر وعائلته في العاصمة؛ أما في أماكن أخرى فالأوضاع أسوأ بكثير. إن سيطرة الحكومة على المناطق البعيدة، والتي كانت رمزية أصلاً قبل الانتفاضة، قد تقلصت بشكل حاد منذ ذلك الحين. في الشمال، وسع الحوثيون سيطرتهم على المناطق بشكل واسع. وفي الجنوب، ما يزال على الحكومة أن تواجه تحديات الحراك والجماعات المسلحة المرتبطة به. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو انتشار أنصار الشريعة، وهم مزيجٌ غير واضح المعالم يتكون من مقاتلي القاعدة ومقاتلين محليين يبدو العديد منهم مدفوعين بالمكاسب الاقتصادية أكثر منهم مدفوعين بالقناعة العقائدية. الحكومة، التي تقاتل إلى جانب لجان شعبية محلية، أعادت فرض سيطرتها على مناطق في الجنوب، إلا أن معركتها مع القاعدة لم تنته بعد. رغم ذلك، ورغم هذه الأزمات المتعددة، فإن الممارسات والمنافسات الحزبية تستمر في العاصمة. الحكومة الجديدة، العالقة بين الاقتتال الداخلي والافتقار إلى القدرات، لم تحدد بعد رؤيتها السياسية والاقتصادية للمرحلة الانتقالية. الأكثر من ذلك، فإنها لم تفعل شيئاً لإشراك المجموعات التي هُمشت لوقت طويل وما زالت تتبع مقاربة مركزية تقتصر إلى حد بعيد على صنعاء. يشعر الإصلاحيون بالقلق من أن المصالح الخاصة في المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك على حدٍ سواء تسعى للمحافظة على دولة شديدة المركزية فاسدة تُحابي القادة القبليين الشماليين والإسلاميين ، مما يُسهم في تعميق الانقسامات بين الشمال وباقي أنحاء البلاد. إجبار صالح على التنحي بشكل سلمي عن الرئاسة كان صعباً بما يكفي؛ لكن تنفيذ الجزء المتبقي من الاتفاق سيكون أصعب من ذلك. إن تحييد الأطراف التي يمكن أن تفسد الاتفاق – النخب المتنافسة المرتبطة بالنظام القديم وكذلك الأجهزة العسكرية/الأمنية المنقسمة – يعتبر أولوية. لا يمكن فعل ذلك بشكل فج وسريع أو بطريقة تُحابي طرفاً على حساب طرفٍ آخر، خشية أن يؤدي ذلك إلى مقاومة عنيفة من الطرف الخاسر. بدلاً من ذلك، على هادي أن يقوم بعملية تدريجية لإزالة أو تدوير القادة الأقوياء بطريقة متوازنة سياسياً وإنهاء سيطرتهم على وحدات عسكرية بعينها، وفي نفس الوقت إجبارهم على إظهار الاحترام للتراتبية العسكرية تحت سيطرة الرئيس ووزير الدفاع. وبطريقة مماثلة، ينبغي الحد من نفوذ الأحزاب السياسية القوية ومجموعات المصالح بطريقة تضمن ألا يجد طرفٌ بعينه نفسه منفرداً بالسيطرة على العملية الانتقالية. الأمر الذي يوازي ذلك أهمية هو أن يكون الحوار الوطني شاملاً إلى أقصى درجة ممكنة مما يتطلب إجراءات فورية لبناء ثقة وجهوداً مستمرة في التواصل مع الجماعات المُهمشة: الشباب، والحوثيين والحراك. كما يعاني التنفيذ من افتقاره بشكل عامل للشفافية. ليس هناك أي جهة – لا الحكومة، ولا البرلمان ولا اللجنة العسكرية – تحتفظ بسجلّ يمكنه أن يُلقي الضوء على من ينتهك الاتفاق وكيف. كما أن هادي لم يشكل لجنة تفسير الاتفاق، رغم أن تشكيلها التزام على الحكومة، ورغم أن مشاركتها ستكون مفيدة في تسوية النزاعات حول معنى المبادرة وآليات تنفيذها. تنطوي التسوية السياسية على مثالب عديدة. لقد كانت تسوية بين النُخب أقصت المحتجين الأصليين والمكونات المهمشة. أخفقت في معالجة قضايا العدالة بشكل كافٍ وأبقت في السلطة قادة وأحزاب مسؤولة على الأقل جزئياً عن مشاكل البلاد. إلا أنها، في الحد الأدنى، توفر فرصة لمستقبل مختلف. إذا أخفق السياسيون في صنعاء في حل، أو على الأقل احتواء، المواجهة الدائرة بين النُخب والتحرك إلى الأمام بحوارٍ شامل، فإن البلاد تخاطر بالتعرض لمزيد من العنف والانقسام. لقد تحاشى اليمن طويلاً اتخاذ القرارات الحاسمة. لا ينبغي له أن يستمر بالهرب. التوصيات إلى القوات المسلحة اليمنية: 1. احترام أوامر الرئيس هادي ووزير الدفاع وتنفيذها بشكل كامل، خصوصاً فيما يتعلق بتدوير المناصب العسكرية، والتقاعد والتعيينات، وعودة جميع القوات العسكرية إلى ثكناتها كما هو محدد في الاتفاق ومن قبل اللجنة العسكرية، ما لم يأمرها وزير الدفاع بغير ذلك. إلى علي محسن الأحمر وعائلة الأحمر وحلفائهم في الإصلاح: 2. سحب جميع الميليشيات من المناطق الحضرية وسحب القوات من المناطق المحيطة بساحات الاحتجاج كما تنص المبادرة وبأمرٍ من اللجنة العسكرية. من أجل تحسين الأوضاع السياسية إلى الحكومة اليمينية: 3. ضمان تطبيق القوانين النافذة، خصوصاً قانون الخدمة المدنية، بشكل صارم خلال المرحلة الانتقالية. 4. المحافظة على مسافة كافية خلال المرحلة الانتقالية بينها وبين الشخصيات السياسية التي يوجد انقسامٌ حولها مثل الرئيس السابق صالح، وعلي محسن الأحمر وحميد الأحمر. إلى جميع الموقعين على مبادرة مجلس التعاون الخليجي وداعميها وعلى آلية التنفيذ: 5. تنفيذ الاتفاق وخصوصاً الحوار الوطني دون شروط مسبقة والامتناع عن إطلاق البيانات الصحفية التحريضية التي تستهدف الخصوم السياسيين. إلى الرئيس هادي: 6. التشكيل الفوري للجنة التفسير وتمكينها كما ينص الاتفاق. 7. تجنب إلى أقصى حدٍ ممكن التعيينات المناطقية والتواصل بشفافية مع الأطراف المعنية والجمهور بشكل عام حول القضايا المتعلقة بتدوير المناصب المدنية والعسكرية، والتقاعد الإجباري والتعيينات. إلى حزب المؤتمر الشعبي العام: 8. تجديد الحزب، خصوصاً من خلال: أ‌. تنظيم انتخابات داخلية لقيادة جديدة؛ ب‌. التواصل مع النشطاء الشباب وتمكينهم داخل جهاز صنع القرار. إلى أحزاب اللقاء المشترك: 9. تقليص دور الشخصيات التي هناك انقسام حولها مثل حميد الأحمر وعلي محسن الأحمر خلال المرحلة الانتقالية. 10. فيما يخص الإصلاح، إجراء انتخابات داخلية لتجديد قيادة الحزب، والسماح لأصوات جديدة بالتعبير عن نفسها وتكثيف عمليات التواصل مع أعضاء آخرين في التحالف لضمان القدر الواسع والكافي من المشاورات بشأن القرارات المتعلقة بالعملية الانتقالية وخصوصاً الحوار الوطني. إلى الرئيس صالح وعائلته: 11. احترام أوامر هادي والسلطة الرئاسية والالتزام بها بشكل كامل. 12. السماح بإجراء إصلاحات داخلية للمؤتمر الشعبي العام بتشجيع هادي على رئاسة الحزب والقبول بانتقال صالح إلى دورٍ استشاري. 13. دعم روح المبادرة بالابتعاد عن السياسة ولعب دور أقل بروزاً خلال المرحلة الانتقالية. إلى علي محسن الأحمر وحميد الأحمر: 14. دعم روح المبادرة وتشجيع المصالحة للعب دور أقل بروزاً في المرحلة الانتقالية، و بالنسبة لعلي محسن، التأكيد على الالتزام غير المشروط بالتقاعد من الجيش عندما يرى هادي ذلك مناسباً. من أجل ضمان تشميل المجموعات المهمشة إلى الحكومة اليمنية: 15. القيام بإجراءات بناء الثقة بشكل فوري لضمان المشاركة الحقيقية في الحوار الوطني من قبل مجموعات الشباب المستقلين، والحوثيين والحراك، بما في ذلك وإضافة إلى أشياء أخرى: أ‌. الاعتذار علناً عن المظالم المرتكبة ضد الحوثيين والحراك؛ ب‌. إطلاق سراح السجناء السياسيين؛ ج. زيادة المساعدات الإنسانية والوصول إلى الأشخاص المهجرين داخلياً في الشمال وفي محافظتي أبين وعدن؛ د. تشكيل وتمكين لجنة لتسوية النزاعات حول الأراضي و/أو لجنة توظيف في الجنوب للتحقيق في المظالم القديمة والتوسط في حلها؛ هـ معالجة قضايا العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بالتحقيق بأعمال العنف المتعلقة بانتفاضة عام 2011 وتعويض الضحايا، وفي نفس الوقت طمأنة المواطنين إلى أن هذه القضايا ستتم مناقشتها بشكل أوسع في الحوار الوطني. إلى الأطراف غير الموقعة والتي ترفض المبادرة بما في ذلك بعض جماعات الشباب المستقلين، والحوثيين والحراك: 16. المشاركة في المرحلة التحضيرية للحوار الوطني بالتواصل مع اللجان المشكلة من قبل الحكومة لهذا الغرض والمشاركة فيها في النهاية. 17. الامتناع عن وضع شروط مسبقة على الحوار الوطني وبدلاً من ذلك تقديم مطالب واقعية تهدف إلى تحسين المناخ السياسي؛ من أجل الحصول على أقصى دعم دولي ممكن للمرحلة الانتقالية في اليمن إلى اللاعبين الدوليين الداعمين للمبادرة الخليجية وآليات التنفيذ (بما في ذلك المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي، ومجلس التعاون الخليجي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وألمانيا، وهولندا، وتركيا واليابان): 18. الاستمرار بدعم جهود الحكومة اليمنية لتنفيذ الاتفاق وذلك بتقديم الدعم التقني، والدبلوماسي والمالي وضمان استمرار الأمم المتحدة بلعب دور قيادي في تيسير الحوار الوطني. 19. تجنب الوقوف إلى جانب أحد الأطراف في النزاعات المحلية السياسية أو الظهور بمظهر من يقف إلى جانب أحد الأطراف، خصوصاً من خلال: أ‌. التعبير عن الاستعداد للتحدث إلى جميع الأطراف؛ ب‌. تحديد أي طرف موقِّع على الاتفاق ولا يلتزم به وانتقاد هذا الطرف؛ ج‌. تشجيع تنفيذ عمليات الإشراف المحلية من خلال الضغط باتجاه تشكيل لجنة تفسير وتشجيع المجتمع المدني والمنظمات الشبابية للعب دور رقابي. إلى الحكومة الإيرانية: 20. دعم الحوار الوطني المدعوم من قبل الأمم المتحدة لتسوية التحديات السياسية القائمة في صعدة والجنوب وتشجيع الحوثيين والحراك على المشاركة. صنعاء/بروكسل، 3 تموز/يوليو 2012.